11/29/2014

تبسيط مباحث المنطق: ثانياً التصديقات



تبسيط مباحث المنطق


 الجزء الثاني: مباحث التصديقات

أولاً تعريف القضايا:

القضايا أو التصديقات هي الجملة الخبرية في علم البلاغة، وهي التي يصح تصديق قائلها أو تكذيبه. خلافاً للإنشاء الذي لا يقبل التصديق والتكذيب بذاته، كقولك السماء صافية، فهي قضية، ولا تشتغل بالملهيات فهذا إنشاء.
والبدهيات هي من القضايا، كقولك الواحد نصف الاثنين، لأنها تقبل التصديق بذاتها، وجاءها من المؤيدات والشواهد ما ينفي عنها احتمال الكذب.

ثانياً: أنواع القضايا الحملية والشرطية

القضايا الحملية: كقولك أحمد طالب، فهي مسند ومسند إليه، أي موضوع وهو أحمد، ومحمول وهو طالب. والمعنى حملنا المحمول وهو المسند، على الموضوع وهو المحمول عليه والمسند عليه.
القضايا الشرطية المتصلة: إن كان الفجر طالعاً فقد حان وقت صلاة الفجر. فوقوع الجزء الأول يعني وقوع الجزء الثاني.
القضايا الشرطية المنفصلة: العدد إما زوجاً أو فرداً، والإنسان إما شاكراً أو كفوراً، والناس إما إلى الجنة أو النار. والوصف بهذا لا يحتمل الجمع ولا يحتمل الرفع. كالنقيض.
وفي الشرط: يكون القسم الاول اسمه مقدماً أي الشرط عند النحاة، والثاني تالياً أي الجواب عند النحاة.
والقضايا بأجمعها، إما موجبة كمحمد صائم، أو سالبة كمحمد ليس صائماً.
والمتصلة نوعان: لزومية كما سبق، واتفاقية لا معنى للشرط فيها. كقولك إن كنت تاجراً فأنا طالب علم.
والمنفصلة أنواع: حقيقية: يمتنع فيها الجمع والخلو، أي لا يجتمع طرفاها ولا يفترقان، وتكون في الشرط الذي يتنافا ويتناقض طرفاه، كقولك العدد إما زوج أو فرد. فكل عدد يجب أن يتحقق بإحدى الصفتين، ولا يتصور انتفاؤهما عنه ولا تحققهما فيه. وكقولك هذا إما إنسان أو لا إنسان. وهذا الكتاب إما في المنطق أو ليس في المنطق.
أو مانعة للجمع: كقولك هذا الشيء إما إنسان أو حجر. فلا يصح أن يكون الشيء كلاهما، ولكن يصح أن يكون شيئاً آخر كالشجر. فالشجر أخص من نقيض الإنسان. وكقولك: إما أن تكون من المصلين أو تشتغل بالعلم، فيصح أن تكون نائماً مثلاً.
أو مانعة للخلو: كقولك إما أن تكون طالباً للعلم أو لا تكون طالباً في الأزهر. فيجب اجتماعهما لأنه اذا ارتفعا لكان طالباً في الأزهر وليس طالباً للعلم، فهذا لا يصح. وهي حالة مذكورة للقسمة العقلية فحسب، وليس لها أهمية القسمين السابقين.

 ملاحظة:
يجوز في القضايا المنفصلة ذكر الشيء ونقيضه، أو مساوي نقيضه. فتقول: الكلي إما جنس أو لا جنس. أو تقول: إما جنس أو نوع، وإما جنس أو فصل. فالنوع والفصل هو من أجزاء نقيض الجنس. ويجوز اجتماعها كلها، فتقول: الكلي إما جنس أو نوع أو فصل. فهي لا تجتمع في شيء، ولكنها ترتفع في الخاص والعرض.
وللقضايا تقسيمات أربعة أخرى:
القضية المخصوصة شخصية: زيد كاتب وسالبه: زيد ليس بكاتب.
القضية الكلية المسورة: كل إنسان كاتب، وسالبه: لا أحد أو لا شيء: لا أحد من الناس بكاتب.
قضية جزئية مسورة: بعض الناس كاتب، وسالبه: بعض الناس ليس بكاتب.
قضية مهملة موجبة: يطلق فيها الحكم الكلي، ويكون المراد الأعم الأغلب لا الجميع، فهي بقوة الجزئية المسورة، مثل سيد القوم خادمهم، الإنسان كاتب، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. والمعنى بعض السادة خدم لرعيتهم، وبعض الناس كاتبون. وسالبه: ليس البتة.

ثالثاً: التناقض:

هو اختلاف القضيتين بالإيجاب والسلب. فنقيض إنسان: لا إنسان، ونقيض الحي: لا حي، ونقيض يقظان لا يقظان.
وشرط تحقق التناقض: اتفاق القضيتين في الزمان والمكان، والموضوع والمحمول، والإضافة والقوة والفعل، والجزء والكل، والشرط.
فلا تناقض عند اختلاف:
  • الزمان: زيد نائم ليلاً، ليس بنائم نهاراً.
  • المكان: زيد في السوق، ليس في البيت.
  • الموضوع: زيد كاتب، عمرو ليس بكاتب.
  • المحمول: زيد كاتب، ليس بنائم.
  • الإضافة: زيد أبو عمرو، ليس بأبي بكرٍ.
  • القوة والفعل: المرأة حامل بعد الزواج، ليست بحامل قبل الزواج.
  • الجزء والكل: زيد قرأ بعض الكتاب، ولم يقرأ كل الكتاب.
  • الشرط: زيد يحل له الطعام في غير الصوم، ولا يحل له الطعام في الصيام. 
  • وأيضاً عند اختلاف الحمل، بين الحمل الشائع أي على الأفراد جميعاً، والحمل الأولي وهو تعريف الشيء، فمثلاً قولهم: الفعل لا يخبر عنه، فإنك أخبرت عنه أنه لا يخبر عنه وهذا تناقض، والجواب لا، فإن نوع الحمل قد اختلف، فهو لا يخبر عنه على الحمل الشائع، ويخبر عنه بالحمل الأولي.
 
ملاحظة:
نقائض الكليات الموجبة الكاذبة: كليات سلبية صادقة.
كل الماء حلو، كل الماء ليس بحلو: كلاهما كاذب.
بعض الماء حلو، بعض الماء ليس بحلو: كلاهما صادق.
وعكسه صحيح، فلو أتينا بكليات سلبية لكانت صادقة ولكانت نقائضها كاذبة: بعض الطلاب حنفي، بعض الطلاب ليس بحنفي، نقيضه: كل الطلاب حنفي، ليس بحنفي، وهذه قضية كاذبة.

رابعاً: العكس

العكس هو أن تجعل الموضوع محمولاً والمحمول موضوعاً، دون أن يتغير في القضية إيجابها وسلبها، وكليتها أو جزئيتها، وصدقها خلافاً لكذبها.

وعكس القضية الكلية الموجبة هو القضية ذاتها موجبة جزئية لتصدق، فالكلية لا تنعكس كلية لأنها لن تصدق فهي نقيضتها إذن: فعكس كل العلماء سعداء: بعض العلماء سعداء.

وكذلك الجزئية الموجبة تنعكس جزئية موجبة أيضاً مثل: بعض الحبر أسود، عكسه بعض الأسود حبر، فهي إيجابية جزئية. فإن كان الأصل صادقاً فإن العكس صادق، كما هنا.
ولكن إن كان الأصل كاذباً، فإن عكسه صادق أو كاذب.
فمثلاً: كل الحيوان إنسان: كاذب. عكسه بعض الحيوان إنسان وهو صادق.

وتنعكس الكلية السالبة كلية سالبة أيضاً: لا شيء من الإنسان حجر، لا شيء من الحجر إنسان. فإن صدقت الأولى صدقت الثانية.

وأما الجزئية السالبة فلا تنعكس، لأنها لا تصدق موجبة كلية أو جزئية، كقولك: بعض الحيوان ليس بإنسان، فلا يصح سلب الحيوان عن الإنسان لا كلياً ولا جزئياً.
والخلاصة إذن: أن الموجبة كلية أو جزئية: عكسها جزئية موجبة.
والسالبة الكلية عكسها سالبة كلية.
والسالبة الجزئية لا عكس يصدق عليها.

خامساً: القياس:

هو قول ملفوظ أو معقول، مؤلف من أقوال ومقدمات، متى سلمت، لزم عنها لذاتها قول آخر أي نتيجة.
فيشترط فيه المقدمات السليمة. وارتباطها بقدر مشترك يكون هو النتيجة. ويقصدون بالمقدمات اذا سلمت أي في ذهن القائل، ولا ضرورة أن يكون ذلك في الواقع.
وأما قولك لا شيء من الإنسان بحجر، ولا شيء من الحجر بحيوان، فلا يسمى هذا قياساً.

وهو نوعان:
قياس اقتراني: كل جسم مخلوق، وكل مخلوق حادث، فكل جسم حادث.
وقياس استثنائي: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، ولكن النهار ليس بموجود: فالشمس ليست بطالعة.

أركانه:
وهي تعرف من المثال: كل انسان جسم، سقراط انسان، سقراط جسم.
الحد الأوسط: هو الكلمة المكررة في المقدمتين في القياس الاقتراني، وهي هنا سقراط. وهي تكون أعم من موضوع المطلوب وأخص من المحمول.
الحد الأصغر: هو موضوع المطوب وهو الانسان. لأنه أخص من محموله.
الحد الأكبر هو المحمول وهو الأعم وهو الجسم.
والمقدمة الأولى التي فيها الحد الأصغر هي المقدمة الصغرى، والمقدمة الثانية والتي فيها الحد الأكبر هي المقدمة الكبرى.

أشكاله:
ترتبط أشكال القياس بالحد الأوسط، والذي هو مدار عملية القياس.
الشكل الأول: أن يكون الحد الأوسط موضوعاً في الجملة الكبرى، ومحمولاً في الجملة الصغرى. مثل: كل مسجد وقف، وكل وقف يحرم بيعه، فكل مسجد يحرم بيعه. فالحد الأوسط هو الوقف، كان محمولاً في الجملة الأولى الصغرى، وموضوعاً في الجملة الثانية الكبرى.

الشكل الثاني: أن يكون محمولاً في الجملتين: مثل كل ما بين السرة والركبة عورة، ولا يحل النظر إلى العورة، فلا يحل النظر إلى ما بين السرة والركبة. فالعورة وهي الحد الأوسط، ظهرت محمولاً في كلا الطرفين.

الشكل الثالث: أن يكون موضوعاً في الجملتين: كل سارق خائن، كل سارق تقطع يده، فبعض الخائن تقطع يده.

الشكل الرابع: أن يكون الحد الأوسط محمولاً في الجملة الكبرى، وموضوعاً في الجملة الكبرى، مثل كل ما يفسد الصوم هو الأكل عمداً، التنفس ليس بأكل عمد، بعض ما يفسد الصوم ليس بتنفس. فظهر الأكل عمداً موضوعاً في الجملة الأولى، ومحمولاً في الجملة الثانية الكبرى.
والعلاقة بين الأول والرابع علاقة عكسية، بمعنى إذا عكست موضوع ومحمول الأولى، حصلت على الثانية.
والطريق المألوف في استخراج القضايا وقياسها على بعضها هو الشكل الأول، وأما الرابع فأبعدها عن الطبع، لأنه أبعدها عن الأول، فهو معيار العلوم وميزانها، وتكتفي المختصرات في كتب المنطق بشرحه وحده.

وشرطه: إيجاب الصغرى وكلية الكبرى. فيكون الناتج له أربع صور:
الأولى: موجبة كلية مع موجبة كلية، والنتيجة موجبة كلية، مثالها: كل مؤمن محب لله، كل محب لله ملتزم بأوامره، كل مؤمن ملتزم بأوامر الله.
الثانية: موجبة كلية مع سالبة كلية، والنتيجة سالبة كلية: مثالها: كل قصب السكر يحتاج لتسعة أشهر لنموه، لا شيء مما يحتاج إلى تسعة أشهر لنموه يمكن زرعه مرتين في السنة، لا شيء من القصب ممكن زرعة مرتين في السنة.
الثالثة: موجبة جزئية مع موجبة كلية، والنتيجة: موجبة جزئية. بعض المسؤولين مهملون، كل المهملين خائنون، بعض المسؤولين خائنون.
الرابعة: موجبة جزئية، مع سالبة كلية، والنتيجة سالبة جزئية. بعض المسلمين تاركون للصلاة, ليس أحداً من تاركي الصلاة قريب من الله، بعض المسلمين ليس قريباً من الله.

أقسام القياس الاقتراني:
وهي ستة أقسام، أولها القياس المكون من مقدمتين حمليّتين كما سبق.
ثانيها: القياس المركب من متصلتين، كقوله: إن أعرض المسلمون عن التمسك بدينهم غضب الله عليهم، كلما غضب الله على قوم ألبسهم ثوب الذل، فإن أعرض المسلمون عن التمسك بدينهم ألبسهم الله ثوب الذل.
ثالثها: المركب من منفصلتين: من تجاوز الميقات يجب أن يكون محرما بعمرة أو بحج. من كان محرما بحج فإما أن يكون مفرداً أو قارناً، فعليه يكون من تجاوز الميقات محرماً بعمرة أو مفرداً أو قارناً.
رابعها: المركب من متصلة وحملية: كلما كان الأمير محافظا لحقوق رعيته كان مطاعاً في قومه، وكل مطاع في قومه شديد البأس على عدوه، فكلما كان الأمير محافظاً على حقوق رعيته كان شديد البأس على عدوه.
خامساً: المركب من منفصلة وحملية، إما أن تتدين أو تتبع هواك، وكل متبع لهواه لفي ضلال، فإما أن تتدين أو تكون في ضلال.
سادساً: المركب من متصلة ومنفصلة.

أقسام القياس الاستثنائي:
فاستثناء عين الأول، ينتج عين الثاني، فقولك: إن كان هذا إنسان فهو حيوان، ولكن هذا انسان فهو حيوان إذن.
واستثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم: فقولك: إن كان هذا انساناً فهو حيوان، لكنه ليس بحيوان فلا يكون إنساناً.
ولها تفصيلات أخرى لا يتسع المقام لذكرها.

للاطلاع على الجزء الأول اضغط هنا
للاطلاع على الجزء الثالث اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق